تحقيقات وتقارير - نوفمبر 11, 2022

العبث بالقبور… استهداف يلاحق الناشطين العراقيين بعد تصفيتهم

متابعة – عراق 24

لا تسلم قبور ضحايا الرأي في العراق من الأذى، مع تعرّضها إلى التخريب والهدم والنبش في بعض الأحيان. هذه الاعتداءات ازدادت في الآونة الأخيرة من دون أن تقدم القوات الأمنية أي توضيحات حيال ذلك، فيما تكتفي أسر وأصدقاء الضحايا بإعادة ترميم القبر مجددا مع وضع شاهد جديد عليه.

وتستهدف الظاهرة ناشطين مدنيين تم اغتيالهم خلال السنوات الماضية وكُتّابا ومدونين، وتنتشر في أكثر من محافظة لكن بغداد والنجف تبقيان مسرحاً أساسياً لها. وعلى الرغم من عدم وجود ما يدل على هوية الفاعلين، غير أن الاتهامات تتجه نحو الجماعات والفصائل المسلحة الحليفة لإيران بالوقوف وراء ذلك، كأسلوب ترهيب لمن تبقّى حياً يمارس دور المعارضة.

وفي الأسبوع الماضي، تعرّض قبر الباحث هشام الهاشمي إلى التخريب وتجريف تربته مرتين متتاليتين في مقبرة دار السلام في النجف، وكُتب على قبره عبارات مسيئة ذات بعد سياسي واضح.

ولم يكن تخريب قبر الهاشمي الوحيد من نوعه، فقد سبقه تخريب قبر الناشط المدني صفاء السراي، الذي اغتيل في وسط ساحة التحرير ببغداد في نهاية عام 2019، وقبل ذلك خُرّب قبر الناشط السياسي عمر سعدون في النجف.

وتعرّضت قبور أخرى في العاصمة وجنوب البلاد للتخريب، أبرزها قبر الناشطة، عارضة الأزياء تارة فارس التي اغتيلت في عام 2018 ببغداد، وكذلك قبر لاعب المنتخب العراقي السابق لكرة القدم أحمد راضي، الذي عُرف بمواقفه المعارضة للأحزاب الممسكة بزمام السلطة بالبلاد، وتوفي في عام 2020 متأثراً بإصابته بفيروس كورونا.

ظاهرة العبث بالقبور
ظاهرة “العبث بالقبور”، التي أخذت بالاتساع كوسيلة استهداف سياسي تلاحق الضحايا حتى بعد موتهم، يصفها الناشط المدني ببغداد، ماجد العيسى، بأنها “عمل ممنهج ومدروس تتبناه قوى دينية مسلحة لترهيب الأحياء”.

ويضيف العيسى في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “الجهات التي تقوم بهذا العمل هي نفسها من قتلت الضحايا، وتسعى لترسيخ الخوف وتوجيه رسائل للناشطين والقوى المدنية بأن لا خطوط حمراء توقفها”.

ويتفق عقيد في مركز شرطة الكوفة بمحافظة النجف جنوبي البلاد، على أن تلك العمليات “غير عفوية ومنظمة”، مضيفاً لـ”العربي الجديد”، أن “تكليف حراس في المقابر أمر غير وارد، والمخربون يدخلون بصفة زائرين، ويستهدفون قبور شخصيات تحظى بقبول شعبي مثل الهاشمي أو السراي”. ويكشف عن “إغلاق التحقيقات التي قدمها ذوو الضحايا وتقييدها ضد مجهول، لعدم التوصل لأي نتيجة فيها”.

وحول ذلك، يشير عضو البرلمان هادي السلامي، إلى الجهات المتورطة في ظاهرة تخريب القبور بالقول إن “المتورطين هم من قوى تحظى بجماهير موالية لها بشكل كبير، وتعتقد أن العراق ملكية خاصة لها، وترفض كل أشكال التنوع أو وجود أصوات وطنية معارضة، لذلك فهي حتى بعد مقتل وتصفية الناشطين العراقيين تتجه إلى تخريب القبور في ظاهرة لا تدل إلا على حقد دفين واستهتار واضح وتنكيل بالمواقف الوطنية والسياسية للقتلى”.

ويرى السلامي في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “هدم قبور النشطاء في قطاعات السياسة والاحتجاج، عادة ما يواجه بالاستياء الشعبي واستفزاز المتظاهرين، وهو جزء من الحرب النفسية التي تمارسها الأحزاب والجماعات المسلحة ضد العراقيين”.

ويعتبر أن “مواقف الذين تم اغتيالهم والعبث بقبورهم ظلّت في وجدان العراقيين، وهو ما يرعب القوى المسلحة والفاسدة التي تظن أن هدم القبور يعني هدم المواقف العراقية”.

من جانبه، يرى رئيس حراك “البيت العراقي” محيي الأنصاري، أن “العنف في العراق بات يتخذ مناحي عدة، وأحد أشكاله هو التطرف الفكري للجماعات المسلحة المتشددة وأتباعها، والذي يتمظهر بصور مختلفة، آخرها ما تعرضت له القبور والصور التذكارية والإضرار بها، وتحديداً لأيقونات الحراك الشعبي والفكر المدني، مثل الدكتور هشام الهاشمي والناشط صفاء السراي”.

ويؤكد الأنصاري في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “هذه الأفعال تضعنا أمام حقيقة الخلل البنيوي والأخلاقي لهذه الجماعات والأفراد، الذين يعكسون سلوكاً شاذاً له دلالات نفسية مضطربة، نابعة عن خلفية متطرفة ترفض الآخر ولا تقتنع بالديمقراطية بمجملها إلا بمقدار منفعتها من إحدى مخرجاتها، وتحديداً الانتخابات”.

التداول بمواقف الضحايا
بدوره، يصف سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، تخريب القبور، بأنه “تصرفات لا تنبثق من الأخلاق الأصيلة للعراقيين”. ويوضح في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “أصوات الضحايا لا تزال تخرج من قبورهم، ويتمّ تداول مواقفهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يزعج السلطة والمستفيدين منها، وبالتالي فإن المسلحين يرون القبور كائنات حية فيسعون إلى قتلها. وبطبيعة الحال إن هذه الأفعال تزيد النقمة لدى العراقيين الرافضين لها، وتمهد الطريق إلى حالة غضب يتوقع انفجارها في أي لحظة”.

من جانبه، يتوقع المحلل أحمد الشريفي أن يؤدي استمرار حالات التنكيل بالناشطين، أو تخريب قبور الأموات منهم، إلى عودة الاحتجاجات، في ظلّ إفلات المعتدين من العقاب.

ويشير الشريفي في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إلى أن “الأحزاب وبعض جمهورها يسعون دائماً إلى استفزاز العراقيين ونشطاء الحراك المدني، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى غضب من قبل الطرف المستهدف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصدور بيانات، لكن هذا لا يعني أن الغضب يبقى داخل المواقع، بل قد ينتقل إلى الشارع، لا سيما مع استمرار حالات العنف ضد التحركات المدنية”.

وقُتل نحو 800 متظاهر ومتظاهرة وصحافيون وناشطون وأصيب أكثر من 27 ألفاً خلال العامين الماضيين بسبب مشاركتهم في التظاهرات العراقية التي اندلعت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوبي العراق ووسطه، ولحد الآن لم تجر أي حالة محاسبة لأي جهة متورطة في هذه الأعمال.

وتلخصت مطالب المحتجين والحركات المدنية بـ”الكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين المدنيين الذين سقطوا خلال السنوات الماضية، ووضع حد لحكم السلاح ونفوذه، إضافة إلى تقوية سلطة القانون وإزالة التأثيرات الحزبية والسياسية عن مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين والمتسببين بسقوط محافظات عراقية بيد تنظيم داعش، على رأسهم (رئيس الحكومة الأسبق) نوري المالكي”، فضلاً عن مطالب أخرى تتعلق بالخدمات وتحسين الوضع الاقتصادي والصحي.

المصدر – العربي الجديد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

رئيس الجمهورية يرأس اجتماعاً موسّعاً حول ملف المياه في العراق

بغداد – عراق 24 رأس فخامة رئيس الجمهورية الدكتور عبد اللطيف جمال رشيد، اليوم الأحد ٢…