متابعة – عراق 24

انهى زعيم “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، زيارته إلى بغداد، الأسبوع الماضي، التي استمرت أياماً عدة، بسلسلة من المطالب المتعلقة بإنهاء وجود الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة في مناطق إقليم كردستان، ونزع سلاحها وتفكيك تجمعاتها بالكامل، أو أن طهران ستتوجه إلى شن حملة عسكرية ضخمة داخل الأراضي العراقية لضرب تلك الجماعات.

سلة المطالب الإيرانية التي حملها قاآني لبغداد، من دون أن يزور أربيل، تؤشر إلى أجواء متوترة مع القوى الكردية العراقية، التي سبق أن عبّرت عن رفضها تسليم الأكراد المعارضين لإيران أو حتى الدخول بمواجهة مسلحة ضدهم. وترى طهران أن انتشار هؤلاء في مناطق الإقليم يعود إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، أي قبل إنشاء إقليم كردستان بموجب الدستور العراقي في عام 2005.

المطالب الإيرانية لبغداد

وعلى الرغم من إدراك الإيرانيين عدم امتلاك الحكومة العراقية الجديدة أي أدوات لتنفيذ مطلب طرد الجماعات الكردية الإيرانية وتفكيك بنيتها وسحب سلاحها، وتسليم الحدود العراقية الإيرانية من جهة إقليم كردستان إلى الجيش العراقي بدلاً من البيشمركة.

وهي المطالب التي حملها قاآني في زيارته الأخيرة لبغداد، وفقاً لما أكده مسؤولون عراقيون ببغداد لـ”العربي الجديد”، وأحدهم نائب في البرلمان عن تحالف “الإطار التنسيقي”، إلا أن تسليم تلك المطالب بحد ذاته يعتبر بمثابة إخطار أو إشعار لعملية عسكرية إيرانية واسعة في عمق الشمال العراقي.

ويؤكد عضو عن تحالف “الإطار التنسيقي” في البرلمان أن “الإيرانيين يريدون انتشار الجيش العراقي على حدود بطول 280 كيلومتراً بين إقليم كردستان وإيران، لإمساك الملف الأمني وإخراج الجماعات الإيرانية الكردية المعارضة منها بعد سحب سلاحهم”.

ويعتبر النائب، الذي رفض الكشف عن اسمه، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “مثل هذا الخيار ترفضه أربيل وتعتبر وجود الجيش العراقي في الإقليم بمثابة دخول الحشد الشعبي إليها، وفي الوقت ذاته يخالف الدستور الذي منح البيشمركة صفة قوات حماية الإقليم”.

نائب عن تحالف “الفتح”: الواضح أن الطلب الإيراني جاء لإعلام بغداد بالعملية الوشيكة

ويضيف النائب: “الإيرانيون يعلمون بصعوبة تنفيذ ذلك، وسبق أن تلقوا رداً من الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني، رفض فيه حصول أي اقتتال كردي ــ كردي، فالبارزاني وباقي القيادات الكردية تنطلق من مبدأ قومي في رفضها تسليم الأكراد الإيرانيين أو إجلاءهم بالقوة من الإقليم”.

ويوضح أن “حكومة الإقليم بزعامة مسرور البارزاني ستخسر الشارع الكردي، الذي يعتبر أكراد إيران أقرب إليهم من أكراد تركيا أو سورية، إذا أقدمت على تسليم الأكراد الإيرانيين”.

من جهته، يكشف نائب سابق في البرلمان عن تحالف “الفتح”، الجناح السياسي لـ”الحشد الشعبي”، عما يصفه بتحديد “سقف زمني لتنفيذ المطالب الإيرانية أو قيام طهران بحملة لضرب الجماعات التخريبية”، في إشارة إلى القوى الكردية الإيرانية.

ويضيف في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “حكومة محمد شياع السوداني وعدت بفتح حوار مباشر مع حكومة الإقليم لبحث الأزمة، لكن الأغلب والواضح أن الطلب الإيراني جاء لإعلام بغداد بالعملية الوشيكة، لكن بصيغة اعتاد عليها السياسيون العراقيون في السنوات الماضية من طهران، وهي القيام بالشيء تحت عذر أو غطاء معين”.

ويكشف النائب، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن “قاآني طلب من رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد أن يُبلغ أربيل بنفسه بأن إيران تدعم الإقليم وترغب بعلاقات طيبة، وعليهم طرد هذه الجماعات لأنها تهدد الأمن القومي الإيراني، وتغذي الاحتجاجات الحالية في إيران”.

وفجر أمس الاثنين، نفذت قوات الحرس الثوري الإيراني هجوماً جديداً واسعاً، هو الرابع من نوعه في أقل من شهرين، بواسطة صواريخ وطائرات مسيرة مفخخة استهدفت مقرات ومخيماً لجماعات إيرانية كردية معارضة في شرق السليمانية وشمال غربي أربيل. وأسفرت الهجمات عن مقتل شخصين على الأقل وجرح آخرين، وفقاً لبيان أصدره وزير الصحة في حكومة الإقليم سامان البرزنجي.

بدوره، يؤكد القيادي في تحالف “الإطار التنسيقي” علي الفتلاوي، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن الإيرانيين أوصلوا عبر قاآني مطالب يقول إنها “تتعلق بآلية التخلص من النشاطات التي تمارسها الجماعات المعارضة لإيران من إقليم كردستان وإنهاء وجودها ووضع حد لها”.

ويضيف أن “حكومة السوداني أبلغت إيران رفضها أن تكون الأراضي العراقية مسرحاً لتهديد أمن أي دولة مجاورة، وترفض أيضاً استهداف السيادة العراقية بالهجمات الصاروخية أو أي عملية برية، بالتالي فإن النقاشات التي جرى طرحها مع الإيرانيين بالأيام الأخيرة، تتركز حول سبل معالجة الموضوع من دون اللجوء للخيارات العسكرية”.

ويؤكد الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل هذه المعطيات، حسبما يوضح القيادي فيه مهدي عبد الكريم، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، ويقول إن “إيران طلبت منا في أكثر من مناسبة مواجهة الجماعات التي تصفها بأنها تهدد أمنها القومي، لكن إيران نفسها تهدد أمن أربيل وبعض المناطق الأخرى من خلال قصف القرى بذريعة مواجهة الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، وتتسبب بقتل العراقيين من المزارعين والمدنيين. وهو ما ترفضه السلطات في إقليم كردستان، ومن المفترض أن يحمي السوداني المنطقة”.

ويضيف عبد الكريم أن “أربيل لم تصلها أي تهديدات تتعلق بحملة إيرانية عسكرية وشيكة، وإن حدث ذلك فإن السلطات الكردستانية ستتوجه نحو المجتمع الدولي ومجلس الأمن”، وبالحديث عن الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، يلفت إلى أنها “موجودة منذ عقود، ولديها ارتباطات اجتماعية، فكيف يمكن اقتلاعها من مجتمع أربيل؟”.

مهدي عبد الكريم: إذا قامت إيران بحملة عسكرية فإن السلطات الكردستانية ستتوجه نحو المجتمع الدولي ومجلس الأمن

ويضع الخبير أحمد النعيمي الخطوات الإيرانية الضاغطة على العراق في سياق “محاولة لتصدير المشاكل الداخلية، خصوصاً أن طهران تتهم تلك الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة بأنها تقف وراء إذكاء الاحتجاجات الحالية”.

ويضيف أن المشاكل الداخلية الحالية من خلال السخط الشعبي في إيران، سبب رئيسي في التصعيد العسكري الإيراني في الشمال العراقي، فمسألة شن حملة عسكرية ضخمة غير مستبعد، خصوصاً أن الطلبات الإيرانية من بغداد تعجيزية وهي بمكان قولنا (قد أعذر من أنذر)”.

ويرى النعيمي في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “الجماعات المعارضة للنظام الإيراني يمكن أن تُجنب الإقليم والعراق ككل سيناريو الاجتياح البري الإيراني، بالطلب من الأمم المتحدة إجلاءها من مناطقها لدول لجوء جديدة، كما فعلت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة عندما كانت تتعرض في محافظة ديالى العراقية لهجمات متكررة واعتداءات من قبل مليشيات حليفة لإيران”.

الجماعات الكردية الإيرانية في العراق

ويستدرك النعيمي بالقول: “لكن الجماعات الكردية التي تتبنى الكفاح المسلح ضد طهران وتنتشر في مناطق قلعة دزة وكاني ماسي وحاج عمران وسيدكان وكويسنجق وسوران ومناطق أخرى، تُعدّ العقدة الأصعب، كون أكراد العراق يرفضون تسليمهم أو مواجهتهم عسكرياً من أجل إيران، وأيضاً يرفضون دخول الجيش العراقي إلى مناطق الإقليم، ويبقى شبح التدخل الإيراني قائما بأي وقت بناءً على ذلك”.

ويختم النعيمي: “العملية الإيرانية إذا حدثت فستُشجع أنقرة على شن هجوم آخر باتجاه الشمال العراقي أيضاً، لضرب معاقل حزب العمال الكردستاني التركي المعارض في قنديل والزاب وزاخو”.

وتستهدف الهجمات الإيرانية المتكررة بلدات ومناطق حدودية عراقية في الإقليم، تقول طهران إنها تأوي مجموعات كردية تصنفها “إرهابية”.

ومن أبرز تلك الجماعات هي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني “حدكا”، وهو أقدمها وتأسس عام 1945 في إيران، وحزب “كوملة” الكردي اليساري المعارض لطهران، وتأسس عام 1967، وحزب “الحياة الحرة” (بيجاك)، بالإضافة إلى منظمة “خبات”، القومية الكردية، وتعني باللغة العربية “الكفاح المسلح”، وجماعات أخرى قريبة من الفكر الشيوعي.

وتنشط هذه القوى والأحزاب في مناطق وبلدات الشريط العراقي الإيراني الحدودي، وهي مناطق ذات تضاريس صعبة وباردة للغاية في أغلب أوقات السنة، وكانت مسرح تبادل سيطرة بين الجيشين العراقي والإيراني خلال حربهما بين عامي 1980 و1988.

وتعتبر مناطق جبال وقرى جومان، وسيدكان، وسوران، وسيد صادق، وخليفان، وبالكايتي وقنديل وكويسنجق وحلبجة ورانيا العراقية، ضمن إقليم كردستان، شمالي أربيل وشرقي السليمانية، وعلى شريط حدودي متباين العمق يبلغ إجمالي طوله أكثر من 110 كيلومترات بين البلدين.

المصدر – العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

المالكي يبحث مع السفير الإيراني مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية الإقليمية والدولية

متابعة – عراق 24 أكد رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، اليوم السبت، أن العراق …