خطأ تسييس النفط
احمد مصطفى
ليست الحملة التي تشنها الولايات المتحدة على السعودية بعد قرار “أوبك+” خفض انتاج النفط بمليوني برميل يوميا سوى جزء من خطأ كارثي ارتكبته واشنطن وضغطت، هي وبريطانيا، على الحلفاء الغربيين كي يشاركوا فيه – بعضهم مضطرا بالفعل.
بدأ ذلك بالتسييس المكثف لسوق الطاقة العالمي منذ بداية الحرب في أوكرانيا بهدف حصار روسيا وخنقها، وبالمرة الإضرار بالنمو الاقتصادي في الصين كجزء من استراتيجية الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض.
لكن الرئيس جو بايدن ربما لم يحسب حساب الآثار الجانبية لتلك الاستراتيجية على بلاده حتى بغض النظر عن مصالح حلفاء واشنطن المتضررين أكثر في أوروبا.
صحيح أنه من مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية فك أي ارتباط بين موسكو والعواصم الأوروبية، كما أنه في مجال الطاقة تحديدا استفادت الشركات الأميركية بقوة من تقليل اعتماد الأوروبيين على مصادر الطاقة المستوردة من روسيا. فقد زادت الصادرات الأميركية لدول أوروبا، خاصة ألمانيا وهولندا، بما بين 10و20 بالمئة في الأشهر الستة الأخيرة. ولأن أميركا تصدر الغاز الطبيعي المسال، وهو أعلى سعرا بكثير من الغاز عبر خطوط الأنابيب، لأوروبا فقد حققت شركاتها أرباحا هائلة.
وبما أن الزيادة في الصادرات الأميركية من الطاقة، إضافة إلى زيادة الصادرات من الشرق الأوسط وغيره إلى أوروبا، لا تكفي لسد ثلث ما تستورده أوروبا من روسيا فإن التأثير الجانبي على الأوروبيين في غاية الضرر. وهذا ما يجعل الشتاء القادم كارثة حقيقية في أوروبا بسبب مشاكل نقص امدادات الطاقة.
لكن ما يهم واشنطن أكثر هو الداخل الأميركي وتأثير أي اضطراب في أسواق الطاقة عليه. ومع أن سعر النفط انخفض في الآونة الأخيرة من نحو 130 دولارا للبرميل إلى حوالى 90 دولارا فقط، إلا أن أسعار الوقود في محطات البنزين بأميركا وبريطانيا لم تنخفض. وهذا ما يزعج البيت الأبيض والديمقراطيين الذين يواجهون خسارة متوقعة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الشهر القادم.
لكن ارتفاع أسعار المشتقات يعود إلى عوامل أخرى كثيرة غير سعر النفط الخام في السوق. منها على سبيل المثال أن سعر لتر البنزين للمستهلك النهائي يتكون في أغلبه من رسوم وضرائب تحصلها الحكومة. وفي الولايات المتحدة هناك مشكلة أكبر وهي النقص في طاقة التكرير المستمرة والمتصاعدة منذ سنوات. فعلى مدى نحو عقدين أو أكثر لم تضف أميركا مصفاة تكرير مهمة، رغم زيادة الطلب على المشتقات باضطراد. ويرجع ذلك إلى تردد المستثمرين في دخول قطاع التكرير بسبب القيود البيروقراطية على إنشاء وإدارة المصافي وأيضا لأنها لا تمثل استثمارا سريع الربح. وأغلب المصافي الرئيسية في أميركا هي استثمارات أجنبية، منها واحدة من أكبر مصافي الجنوب تتبع شركة أرامكو السعودية.
وكما استسهل السياسيون في بريطانيا، خاصة وقت حكومة بوريس جونسون المستقيلة، وغيرها إلقاء تبعة فشلهم في إدارة شؤون بلادهم الاقتصادية على الحرب الأوكرانية فإن البيت الأبيض والديمقراطيون يحاولن القاء فشلهم المتوقع في الانتخابات القادمة على الحرب في أوكرانيا وروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين. ذلك على الرغم من أن التردي الاقتصادي في الغرب، وفي بريطانيا أكثر، بدأ منذ مطلع العام الماضي.
وكما كان تسييس الطاقة منذ بداية الحرب خطأ كارثيا أضر ببقية العالم، خاصة حلفاء أميركا، بقدر ما أضر بالاقتصاد الروسي فإن محاولة إدارة الرئيس بايدن تسييس قرار تقني لأوبك وشركائها كجزء من حملة الديمقراطيين الانتخابية ربما يؤدي إلى رد فعل عكسي ويزيد من عمق خسارتهم في مجلسي الكونغرس: النواب والشيوخ.
أما تلويح المسؤولين الأميركيين، وبعض المغالين اليساريين في الحزب الديمقراطي، بالسعي إلى تمرير قانون مقاضاة أوبك (نوبك) في الكونغرس فلا يتوقع أن يؤدي سوى إلى إغضاب تكتل شركات الطاقة الأميركية الكبرى وتحولهم عن دعم الديموقراطيين. فعلى مدى نحو ربع قرن، يستخدم الحزب الحاكم في أميركا سواء كان الديمقراطي أو الجمهوري هذا التهديد كلما أرادوا الضغط على السعودية ودول الخليج. وفي كل المرات التي طرح فيها مشروع القانون هذا لم يمر لا من مجلس النواب ولا من مجلس الشيوخ. ليس لأن لدى السعودية ودول الخليج لوبي قوي يؤثر في المشرعين الأميركيين، ولكن لأن شركات الطاقة الأميركية هي التي تعارض مثل هذا القانون. وتبرعات تلك الشركات لحملات النواب والشيوخ مهمة أكثر من تهديد سياسي تقوم به الحكومة الأميركية لابتزاز منتجي النفط في المنطقة وخارجها.
أما التصريحات الأميركية بشأن التقارب السعودي – الروسي وأنه وراء قرار أوبك+ فالمسؤولون الأميركيون أنفسهم يعرفون جيدا أن هذا ليس صحيحا، لكنهم بالطبع يجدون فيه هدفا سهلا في الدعاية الانتخابية لجولة التجديد النصفي للنواب والشيوخ باتهام الآخرين بأنهم وراء مشاكل الأميركيين. المفارقة أن الجماهير العادية، في أميركا وبريطانيا وأوروبا، أصبحت لا تثق في تصريحات السياسيين التي تلقي باللوم على “الآخرين” في تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. سواء كان “الأخرون” هنا الحرب في أوكرانيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أم الدول المصدرة للبترول. وبدأت الأصوات تتعالى تدريجيا بأن مشاكل تلك الدول هي من صنع ساستها.
المصدر – سكاي نيوز عربية
تنويه : جميع المقالات المنشورة تمثل راي كتابها فقط
جريمة الإبادة الجماعيَّة المرتكبة في غزَّة
متابعة – عراق 24 زهير كاظم عبود حدد الإعلان العالمي لحقوق الانسان ضوابط وأسسًا لتحدي…
مقاله مفيدة
اعجبتني