متابعة – عراق 24

تفرق الدراسات النفسية بين أطفال التوحد وأطفال الحرمان البيئي، فبحسب مدونة الصحة النفسية ورعاية المجتمع الأميركية، فإن التوحد هو اختلاف عصبي يشكل طيفه إدراك الفرد وتفاعله مع العالم المحيط به، في حين أن الحرمان أو الفقر البيئي يشير إلى تأخر النمو الشامل في تحقيق معالم النمو لدى الأطفال، ورغم أن كليهما يؤثر على الأطفال اجتماعيا ومعرفيا، فإنهما مختلفان.

في الخمس سنوات الأولى من عمر الطفل، من المفترض أن يتم اكتساب مهارات جسدية وسلوكية، وأغلبها يكون مستوحى من تفاعل ذويهم معهم، وإظهار المحبة والمودة والحب واللعب المشترك، فتنمو مع الطفل مهارات الكلام واللغة، والمهارات الحركية الدقيقة، والمهارات المعرفية والتحليلية، ثم المهارات الاجتماعية والعاطفية.

لذلك، خلال الأعوام الأولى من عمر الطفل، إذا لوحظ تأخره مرحلتين أو أكثر من تلك المهارات فقد يصبح ذلك دلالة على اضطراب النمو والحرمان البيئي.

تأخر مجموعة من المهارات الأساسية في عمر الطفل هي أبرز أعراض الحرمان البيئي (بيكسلز)

وتعد العوامل التالية من أبرز أسباب الحرمان البيئي لدى الأطفال:

  • البيئة المنعزلة
  • انشغال الأبوين
  • الاعتماد على الهاتف المحمول لتسلية الطفل
  • إصابة الأم باكتئاب ما بعد الولادة

وقد تظهر العوامل السابقة في صورة أعراض تشبه التوحد إلى حد كبير، منها التأخر اللغوي، وعدم الاستجابة للنداء، وتشتت الانتباه، والانشغال الدائم بحركات معينة.

لكن الفارق هنا، كما تشير مدونة النمو، أن طفل الحرمان البيئي أسرع في الاستجابة للعلاج، الذي يعتمد على تغيير البيئة المحيطة بالطفل، ودمجه بشكل أكبر مع المجتمع المحيط به، وتركيز الأبوين على اللعب والحديث المستمر وخلق أنشطة مشتركة مع الطفل.

صور عن أطفال التوحد
طفل الحرمان البيئي أسرع في الاستجابة للعلاج (شترستوك)

أهم خطوات العلاج

تقول نورهان غالي (36 عاما)، التي تعمل صحفية حرة في مصر، “صدمة لم أتوقعها حين أخبرتني روضة الأطفال التي يذهب إليها طفلي ذو الثلاثة أعوام أنه يعاني من التوحد”، خاصة أنها لم تلحظ عليه أيا من علامات التأخر التي قرأتها سابقا عن أطفال التوحد، وأنها لم تنتبه لتأخره عن الاندماج مع أقرانه أو تأخره اللغوي، ولم تعر الأمر انتباها حين كانت تنادي  طفلها الوحيد باسمه ولا يرد عليها، كانت تعتقد أن كل تلك الأمور عادية لأنها وحيدة معه أغلب الوقت، ولا يوجد في محيطهم جيران أو أصدقاء من الممكن أن يندمج معهم.

انطلقت نورهان باحثة عن أكثر من طبيب لتشخيص حالته بشكل دقيق لتتعرف حينها على مصطلح “الحرمان البيئي”، وتضيف “لم أتوقع أن فقر البيئة من الممكن أن يؤثر على طفلي لدرجة تأخر القدرات العقلية”.

لأيام طويلة كانت نورهان غالي تلوم نفسها لكونها كانت سببا في معاناة طفلها، وذلك بعد التشخيص الطبي الذي لجأت له في مركز علاج التوحد بمستشفى العباسية بالقاهرة، والذي تقول عنه نورهان إنه “من أهم مراكز التوحد الموجودة في العالم العربي”، مضيفة أنها تعلمت من خلال تجربتها أنه لا يمكن تشخيص وتفرقة حالة الحرمان البيئي عن التوحد إلا من خلال طبيب نفسي، لأن تلك المراكز غير فعالة بالمرة في التشخيص المبدئي للمرض وطرق العلاج.

وتابعت نورهان “كانت البداية هي الابتعاد عن الهاتف المحمول، وتغيير العالم المحيط به، بدأت مع والده في إيجاد مساحة مشتركة لأنشطة يومية بسيطة تلائم عمره، بالإضافة للضغط عليه لنطق ما يريده دون إعطائه إياه مباشرة، فكنت أضغط عليه ليطلب الماء أو الطعام ويسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، بالإضافة للتوقف عن استخدام لغة ثانية في التعامل معه، فبحسب الأطباء فإن ازدواج اللغة في تلك المرحلة الأولى من عمره أسهم بشكل كبير في تشتيته”.

الابتعاد عن الهاتف المحمول أولى خطوات علاج الحرمان البيئي (بيكسلز)

أثر كورونا

“أزمة كورونا كانت سببا في انتشار الحرمان البيئي انتشارا أكبر من المعتاد نظرا لفترات العزلة الطويلة التي قضاها الأطفال في المنزل وانشغال الآباء بالعمل عن بعد وغياب فكرة الزيارات العائلية والأصدقاء، وقد أسهم ذلك بصورة ما في زيادة معدلات أطفال الحرمان البيئي في السنوات الأخيرة”، وفق قول استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين الدكتور أسامة يونس.

يقول يونس للجزيرة نت إن السمات المشتركة بين التوحد والحرمان البيئي تجعل التشخيص على الأغلب يتجه نحو التوحد، لكن الفارق واضح بين الاثنين، خاصة إذا كان تغيير الطفل مفاجئا على عكس طبيعته السابقة، فطفل التوحد تظهر عليه علامات التوحد منذ بداية تعرفه على العالم الخارجي لكونه مرضا عصبيا.

وبالمقابل، يحدث الحرمان البيئي -وفق يونس- بعد تفاعل أولي للطفل في الحركة والمهارات الأولى مثل اللمس والمشي وبدايات الكلام والاستجابات الانفعالية للضحك واللعب، لكن فجأة لأسباب محيطة ببيئته تحدث العزلة ويتراجع الاهتمام به، ويتحول الطفل إلى الهاتف المحمول الذي يصبح أنيسه الوحيد، مما يساعد على زيادة تشتيته.

د أسامة يونس استشاري طب نفسي الاطفال
استشاري الطب النفسي للأطفال الدكتور أسامة يونس (الجزيرة)

ويحدد الدكتور أسامة يونس الصفات المشتركة بين التوحد والحرمان البيئي، وهي “عدم التواصل البصري، والتأخر اللغوي، وتوقف التفاعل الاجتماعي”، بالإضافة لإمكانية إصابة الطفل ببعض المتلازمات الحركية، لكن الاختلاف هنا أنها لصيقة بالتوحد منذ بدايته، أما في طفل الحرمان البيئي فغالبا تكون تلك المتلازمات الحركية نابعة مما يتابعه الطفل عبر الهاتف المحمول.

وحول علاج الحرمان البيئي، يوضح استشاري الطب النفسي للأطفال، للجزيرة نت، أن الجزء الأكبر منه تتحمله الأم لأنها هي أكثر شخص من المفترض أن يجلس مع الطفل في تلك المرحلة، ومشاركة الأب والمحيط المقرب ضرورية، وفكرة الانعزال الذي تمارسه بعض الأسر حديثا قد يصبح في بعض الأحيان ضررا أكبر من نفعه، لهذا لابد من عودة فكرة العلاقات الاجتماعية كونها صمام أمان لكثير من المواقف الخطيرة التي قد تمر بها الأسر ولا تعرف لها حلولا.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لماذا عليك التوقف عن استخدام كريم وغسول الأطفال؟

متابعة – عراق 24 أطلقت إحدى العلامات التجارية الشهيرة نهاية العام الماضي خط إنتاج لل…