متابعة – عراق 24
من المهم بلا شك أن نبني علاقة وطيدة مع أطفالنا، إذ أشارت أبحاث عن أنماط التعلق بالآخرين، إلى أن الطرق التي يتواصل بها الآباء مع أطفالهم لها تبعات واسعة النطاق على صحتهم النفسية وقدرتهم على التحكم في دوافعم وانفعالاتهم وبناء علاقات صحية مع الآخرين.
ويشجع الخبراء الآن الآباء والأمهات على توطيد علاقاتهم بأبنائهم باستخدام أسلوب الإقناع والتبرير وإتاحة الخيارات بدلا من الصراخ والنهر والإحراج أو استخدام الثواب والعقاب.
وتعرف هذه الطريقة في التربية باسم التربية الإيجابية، وقد لاقت ترحيبا واسعا كونها تجمع بين مزايا التربية الصارمة والمتساهلة التي تعطي الطفل مطلق الحرية ليتصرف حسب رغبته. فإذا ضرب طفل شقيقته على سبيل المثال، تقتضي التربية الإيجابية أن تفصل بينهما وتبعد الطفل عن المكان، ثم تخصص بعض الوقت للتحدث عن مشاعر كلا الطفلين والبحث عن حلول معا.
وتصف إيميلي إدلين، الأخصائية النفسية في ولاية إلينوي وتكتب في مدونة “فن وعلم الأمومة”، التربية الإيجابية بأنها “طريقة في التربية مبنية على التقمص الوجداني مع التركيز على التعاطف مع الآخرين والاستجابة لمشاعر الطفل التي دفعته لممارسة سلوكيات خاطئة، عملا بقواعد ونظريات مفادها أن تواصلنا وتجاوبنا مع الأطفال الآن يسهم في تشكيل علاقتنا معهم طوال الحياة”.
الثناء على الإيجابيات
وقد عُرفت مبادئ ونظريات التربية الإيجابية منذ العشرينيات من القرن الماضي، وكانت تعرف باسم “التهذيب الإيجابي”، وأدخلها الطبيبان النفسيان النمساويان ألفريد أدلر ورودلف دريكورس إلى الولايات المتحدة. لكنها لم تحظ بشهرة واسعة إلا في التسعينيات من القرن الماضي، حين جعل عالم النفس الأمريكي مارتن سليغمان علم النفس الإيجابي موضع اهتمام العالم.
ويهتم علم النفس الإيجابي بجوانب النفس البشرية التي تجعلنا سعداء، بدلا من تحليل الجوانب التي تجعلنا عرضة للإصابة بالأمراض النفسية. وتقول كارين كويفمان، أخصائية نفسية بجامعة كنت ستيت بولاية أوهايو وتدرس أهمية الانفعالات الإيجابية والسلبية للصحة النفسية: “لقد انشغلنا كثيرا بالعلل النفسية إلى حد أننا أهملنا العوامل التي تقود للسعادة والازدهار”.
وبتطبيق هذه الفسلفة في مجال التربية، فإن التربية الإيجابية تحض الآباء على التركيز على الإيجابيات بدلا من السلوكيات السلبية، والإكثار من المدح بدلا من الذم والانتقاد. ويرى البعض أن هذه الطريقة في التربية تمثل حلا وسطا بين التربية المتسلطة – التي قد تقود الأطفال لكبت انفعالاتهم وممارسة سلوكيات غير مقبولة تعبيرا عن التمرد- والتربية المتساهلة التي لا تضع للأطفال حدودا ملائمة.
وتلقى اليوم التربية الإيجابية إشادة واسعة، وأُفردت لها كتب ومقالات ومدونات. وتقول إدلين: “بالنظر إلى العناوين والمقالات التي أطالعها في مجال التربية، أعتقد أن التربية الإيجابية هي أكثر أساليب التربية شهرة الآن”.
لكن البعض يرى أن محاولات الحفاظ دائما على الهدوء وسعة الصدر قد يكون لها آثار سلبية. وتصف باربرا إرينريك، الصحفية الأمريكية في كتاب عن هذه الظاهرة، الفلسفة الإيجابية بأنها “قوة أيديولوجية تشجعنا على إنكار الواقع وتقبل المصائب بصدر رحب وأن نلوم أنفسنا على أمور خارجة عن إرداتنا”.
وترى كويفمان أن جميع المشاعر تلعب دورا مهما في حياتنا، فبينما تساعدنا المشاعر الإيجابية على التواصل مع الآخرين وإقامة علاقات، فإن السلبية تساعدنا في التخطيط ومهارات التفكير التي تتجاوز الحفظ والملاحظة، وقد ساعدت البشر على البقاء على قيد الحياة”.
وإذا شعر الناس، بما فيهم الآباء والأمهات، أنهم لا يحق لهم التعبير عن مشاعرهم السلبية، فسيؤثر ذلك سلبا على صحتهم النفسية. وتقول كويفمان: “نحن نرتكب أخطاء، ومن الطبيعي أن نشعر بالضيق والغضب، وأحيانا ننفس عن انفعالاتنا بالإساءة إلى أشخاص لا ينبغي أن نسيء إليهم. وكل هذا أمر معتاد وطبيعي، سواء للأطفال أو للآباء”.
دروس للمستقبل
ثمة عيوب لأساليب التربية الإيجابية، منها أن الأطفال لن يتعلموا كيفية تفسير المشاعر السلبية والاستجابة لها إذا أخفاها الآباء والأمهات عنهم.
وتقول كويفمان: “من المهم أن يعبر الآباء والأمهات عن مخاوفهم أمام أطفالهم، لأننا أحيانا نشعر بالضيق. وقد يساعد التحدث صراحة عن كل ما يؤرقهم ويثير قلقهم، في تعزيز النمو الوجداني للطفل”.
ورغم صعوبة التعبير عن الضيق أمام الأطفال في سن صغيرة، تقول كويفمان إن “الأطفال عندما يكبرون يمكنهم أن يفهموا أنهم قد يثيرون غضبك إن لم يصغوا إليك، حتى يتعلموا عواقب ونتائج عدم الالتزام بالمعايير والقواعد. فينبغي أن نتعلم أن الاعتياد على تجاهل الأوامر له عواقب سلبية”.
وقد تثقل التربية الإيجابية كاهل الأمهات اللائي يبذلن مجهودا ذهنيا وعاطفيا مضاعفا لتربية أطفالهن وإدارة المنزل. وتقول إدلين إن الأمهات يسعين جاهدات دون كلل للتوفيق بين واجبات العمل وحياتهن الشخصية، وهذا قد يؤثر على صحتهن النفسية والعاطفية.
وترى إدلين أن انتشار الكتب والمقالات التي من المفترض أن تساعدنا على تحسين طرق تربية الأطفال، تزيد من أعبائنا وتؤثر علينا سلبا.
لكن التعبير عن الرأي المخالف قد يقابل بردود فعل غير متوقعة. وتقول أريادن بريل، أخصائية نفسية ومناصرة للتربية الإيجابية في سويسرا، إنها حُذفت من مجموعة على موقع فيسبوك عن التربية الإيجابية لمجرد أنها اقترحت أن الطفل الذي يضرب كلبا ينبغي إبعاد الكلب عنه لفترة بدلا من أن تأمره بالتوقف أو تركه ليتعلم بنفسه.
وتقول بريل إنه من المجحف بحق الكلب والطفل والأبوين أن تأمر الطفل مرارا بالكف عن ضرب الكلب، لأن الطفل في سن ثلاث سنوات لا يمكنه السيطرة على دوافعه واتخاذ قرارات صائبة، وعليك أن تتدخل بنفسك وتفصله عن الكلب وتجلس مع طفلك حتى يهدأ.
وقد رأت هذه المجموعة أن فصل الطفل عن الكلب نوع من العقاب الذي يعد محظورا، مع أن الطفل قد يتعرض لعقاب أكبر إذا غضب الكلب وعضه.
وبينما لا تنكر كويفمان وغيرها من الخبراء فوائد التربية الإيجابية لتنشئة طفل سعيد ومتزن نفسيا، فإنها ترى أن إظهار مشاعر إيجابية طول الوقت أمر غير واقعي، ولا سيما إذا كان الطفل صعب المراس.
وتقول كويفمان: “لا أحد يمكنه أن يثني دائما على السلوكيات الإيجابية بهدوء ورحابة صدر، إذا كان الطفل يصر على ممارسة السلوكيات السلبية. فقد يأتي عليك وقت تشعر فيه أن الضغوط والأعباء تستنفد طاقتك وقد تعجز عن الاضطلاع بالمهام الأساسية التي من المفترض أن تؤديها، وهذا أمر طبيعي”.
هل يمكن تطبيق الفلسفة الإيجابية على الآباء والأمهات؟
ثمة عوامل عديدة تؤثر على الطريقة التي يربي بها الآباء أطفالهم، منها الثقافة والأعباء المالية وحجم الضغوط النفسية. لكن العامل الرئيسي الذي يؤثر على التربية هو الدعم، فإن الكثير من الآباء والأمهات قد لا يجدون دعما أو مساندة في تربية أطفالهم، سواء من شريك الحياة أو العائلة أو حتى الحكومة، وقد يشعرون أنهم منهكون من كثرة الأعباء، ويصبح من الصعب إقامة علاقة صحية ووطيدة مع أطفالهم.
وتقول إدلين: “ماذا لو انعكست الآية، وطالب الآباء والأمهات بتلبية احتياجاتهم حتى يتمكنوا من توفير الدعم العاطفي لأطفالهم وفقا لأساليب التربية الإيجابية”.
وفي واقع الأمر، فإن التذكير المتواصل للآباء والأمهات بعواقب إظهار الانفعالات السلبية وضيق الصدر على صحة الأطفال قد يأتي بنتائج عكسية. وتقول كويفمان: “أنت تريد أن تحث الآباء والأمهات على بذل ما وسعهم والتغاضي عن الأخطاء، وأن يصبحوا مثالا يحتذى به في سعة الصدر والتقبل. لكن لوم الذات (في حالة عدم القدرة على السيطرة على الانفعالات) والشعور بالذنب، لن يساعدك في بلوغ أهدافك
المصدر : البي بي سي
لماذا عليك التوقف عن استخدام كريم وغسول الأطفال؟
متابعة – عراق 24 أطلقت إحدى العلامات التجارية الشهيرة نهاية العام الماضي خط إنتاج لل…